الآن قَد صَحَّ لي حَقاً بِلا كَذِب | |
|
| مِن كَثرَةِ الحُرفِ أَنّي مِن ذَوي الأَدَبِ |
|
لأَنَّ لِلدَّهرِ أَحوالاً تَدُلُّ عَلى | |
|
| أَنَّ الَّذي نابِهٌ مِنهُ بِمُنقَلبِ |
|
كَم قائل قَد رأى حالي وَقَد رَزَحَت | |
|
| مَقالة صَدَرَت عَن قلب مُكتَئِبِ |
|
حَتّى مَتى أَنتَ لا تنفَكُّ مُغتَرِباً | |
|
| تَعتاض مُرتَغِباً بِالبؤسِ وَالتَعبِ |
|
فَقلت ذر عَنكَ لَومي لا تَفندني | |
|
| يَكفيكَ ما قَد أَقاسيهِ مِن النوَبِ |
|
عَجائِب الدَهر لا تَفنى عَجائِبُها | |
|
| ما الدَهر في فِعلِهِ إِلّا أَبو العَجَبِ |
|
كَم مِن أَديبٍ غَدا وَالدَهرُ يعركه | |
|
| عرك الأَديم بِما يَلقى مِن النَكبِ |
|
وَكَم حمار غَدا وَالدَهرُ يَرفَعه | |
|
| قَد داسَ أَعلى ذَرى كيوانَ بِالعَقِبِ |
|
وَنالَ مِن دَهرِهِ ما لَم تَكُن خَطَرَت | |
|
| بِهِ أَمانيهِ مِن جاهٍ وَمِن نَشَبِ |
|
يا صاحِبَيَّ ذرا عتب الزَمان لِما | |
|
| يأتي فَلَيسَ تَرى عَنهُ بِمُقتَضِبِ |
|
أَظن لِلدهر ثأراً فَهوَ يطلبه | |
|
| مِنّي فَلَيسَ لَهُ شغل سِوى طلبي |
|
إِذا ظَنَنتُ بِأَنّي قَد ظفرت بِما | |
|
| أَبغي يقصِّرُني عَنهُ بِلا سَبَبِ |
|
وَإِن عتبتُ عَلَيهِ قال لي أَنِفاً | |
|
| أَلَستُ في عذلِهِ عَن جاهِل دَرِبِ |
|
قَد حُزت مِن فاخر الآدابِ ما عَجِزَت | |
|
| عَن نَيلِ أَمثالِهِ نَفس لِمطَّلبِ |
|
مِنَ الحِسابِ وَمن علم الغَريب مَعاً | |
|
| وَالنَحوِ ما لَم يَكُن فيهِ بِمُكتَسِبِ |
|
ما لَو سَألتَ يَسيراً من تنقصه | |
|
| بِنَيل نفسك ما تَهوى وَلَم تطبِ |
|
فَقُلتُ قول امرىء أَضحى لِعُسرَتِهِ | |
|
| بَينَ البَريَّةِ مِن عَدم كمُجتَنبِ |
|
قَد كنت أَختار حَظاً استرِق بِهِ | |
|
| مَن كانَ في حالَتي في العلم والأدَبِ |
|
فَذاكَ أَروح لي من أَن أَرى نعماً | |
|
| عَلى طغام بِها تَعلوا إِلى الحَسَبِ |
|
ماذا أُؤمِّلُ يُحييني بِهِ أَدبي | |
|
| إِذا غَدَت راحَتي صفراً مِن الأَدَبِ |
|
ما نِلتُ مِن أَدبي حالاً حَظيتُ بِها | |
|
| إِلّا ارتِسامي بِتَهذيبي لعقل صبي |
|
أَظَل أَكسِبه عِلماً وَيكسبني | |
|
| جَهلاً وُصِمتُ بِه في العجم والعَرَبِ |
|
فأن قعدنَ ربيَ الأَيامُ عَن دَرَكٍ | |
|
| حَظاً أَنالُ بِهِ العالي مِن الرُتَبِ |
|
فالعُتبُ في ذا لِغَيري لَيسَ يَلزَمني | |
|
| لأَنَّني قَد بلغت الجهد في الطَلَبِ |
|
لي هِمّة كَضِياء الصبح مشرقة | |
|
| في حِندِسٍ وَجِناني لَيسَ بِالنَخبِ |
|
وَلَيسَ لِلمَرءِ في الأَقدارِ من طمع | |
|
| وَالحرص في فائِتٍ يُدني إِلى التَعَبِ |
|
حلبَت أَخلاف هَذا الدَهرُ مُنتَصِراً | |
|
| فَلَم أَدَع فيهِما حَظاً لِمُحتَلِبِ |
|
وَكَم تدرعت مِن بَيداء مُقفِرَة | |
|
| في لَيلَة خِلتُ أَن الصبح لَم يؤُبِ |
|
مِن طولِها وَرواق اللَيل مُنسَدِل | |
|
| وَسحبها بركام الوَبلِ كالقُرَبِ |
|
لا يَهتَدي الريح فيها من مسالكها | |
|
| بَينَ الضَحا ضح من وهد ومن كثبِ |
|
لا تَهتَدي الجنُّ فيها من تفاوتها | |
|
| ولا يتم الصَبا بالوبل وَالحرب |
|
الجنّ قَد هجَرت أَكنافها فَرَقاً | |
|
| وَالوحش قَد نفرت مِنها إِلى العُشُبِ |
|
خلقت خَيفانَة صَوصاء قَد ذبلت | |
|
| لقطع مهمها وَالنَجم لَم يغب |
|
يَظلُّ يَهوي بِها وَالريحُ قَد عجزَت | |
|
| عَنها اللحاق بِها وَالسيل في الصيب |
|
وَكَم عسفت جِبالاً طالَما عجزت | |
|
| عَنها الوعول من الأدغال وَالشُعَبِ |
|
أَهوي إِلَيها بِنَفسٍ غَيرَ خائِفَةٍ | |
|
| صرف المنون وَلَو صارَت إِلى الهيبِ |
|
أَحتَلُّها وَالمَنايا في مَساكِنَها | |
|
| مِثلَ ابن قفرة إِذ يَهوي إِلى سَربِ |
|
وَكَم قطعت بِحاراً لَيسَ يَقطعها النَي | |
|
| رانِ وَلا العالي مِنَ السُحُبِ |
|
وَمؤنسي عَزمَةٌ كالصُبحِ مُشرِقَةٌ | |
|
| وَصارِمٌ مُرهفُ الحدَينِ ذو شطبِ |
|
مالي إِلى الدَهر ذنب أَستَحِقُّ بِهِ | |
|
| ما نالَني مِنهُ مِن خَوف وَمِن شَغبِ |
|
إِلّا لأَنّي لال المُصطَفى تَبَعٌ | |
|
| وَبَعدَ ذا أَنَّني من سادة نُجُبِ |
|
إِذا التَضت نار حَربٍ ثار قسطلها | |
|
| واحلولكت أَوجه الأَبطالِ للقضبِ |
|
وَإِن رَأيتَ رحاً لِلحرب دائِرَةً | |
|
| كانوا لها دون هَذا الخلق كالقُطُبِ |
|
وَإِن خبت نارها فاعلم بِأَنَّهموا | |
|
| بِحَدِّ أَسيافهم يَطفون للهبِ |
|
كانوا على الدهر حكاماً بصولِهِم | |
|
| وَالدَهر من خوفهم في ذل مُغتَصبِ |
|
حَتّى إِذا ما فَنَوا أَخنى بِكَلكَلِهِ | |
|
| عَليَّ مُستَوفياً لِلثأر كالغضَبِ |
|
في الجَوِّ زهر علت لي همة سَبَقَت | |
|
| لَكِن حَظّي بِها في عقدة الذَنَبِ |
|
أَتَيت مصر أَرجّي نَيل ثروتها | |
|
| فرحتُ مِنها بأَفلاس مَع الجَرَبِ |
|
فَلي بِها تِسع أَحوالٍ قَد اكتَمَلَت | |
|
| أَرتادُ فيها مَعاشاً لي فَلَم أَصبِ |
|
يا نَفسُ صَبراً عَلى ما قَد حُييت بِهِ | |
|
| فاستَسلِمي لِلقَضاء الحتم واحتَسِبي |
|
فَلَيسَ يَفديكَ وَالأَقدار جاريِة | |
|
| وَالوَقتُ مُقتَرِب أَو غير مُقتَرِب |
|
لما تَخافي وَما تُرجى لما سَبَقَت | |
|
| بِهِ المقادير عَمّا خُطَّ في الكُتُبِ |
|
لا بُدَ مِن فرجٍ يأتي عَلى قنطٍ | |
|
| تَحظي بِهِ فاصبري يا نَفسُ وارتَقبي |
|
إِمّا بلوغَ أَمانٍ تَنعَمينَ بِها | |
|
| أَو نَيلَ منزلة تَشفي من الرِيب |
|
أَولا فَمَوتٌ مُريح لا مَردَّ لَهُ | |
|
| فَأنَّ إِحداهُما يُعفي مِنَ التَعَبِ |
|
وَاللَهُ أَولى بِما يَأَتي وَلَيسَ لَهُ | |
|
| معارض في الَّذي يَختار من أَرب |
|
لَكِنَّني أَسأل الرحمَن لي فرجاً | |
|
| مِمّا أقاسيه مِن كَدِّ وَمِن نَصَبِ |
|
فَهوَ المُجيب لما نَدعوهُ عَن كَرَمٍ | |
|
| إِن لَم يُجِبنا لما نَهوي فمن يُجِبِ |
|