فَما أُمُّ سَقبٍ أَودَعَتهُ قَرارَةً |
مِنَ الأَرضِ وَاِنساحَت لِتَرعى وَتَهجِعا |
لَحيسٌ كَمِثلِ الأَيهُقانِ اِبنُ لَيلَةٍ |
أَمدُّ قُواهُ أَن يَنوءَ فَيَركَعا |
وَيَهتَزُّ في المَشيِ القَريبِ كَأَنَّهُ |
قَضيبٌ مِنَ البانِ اِرتَوى فَتَرَعرَعا |
فَظَلَّت بِمُستَنِّ الصبا مِن أَمامِهِ |
تَبَغَّمُ في المَرعى إِلَيهِ لِيَسمَعا |
إِذا غَفَلَت نادَت وَإِن نابَ نَبأَةً |
عَلى سَمعِها تَذكر طَلاها فَتَربَعا |
فَخالَفَها عاري النَواهِقِ شاسِبٌ |
أَخو قَفرَةٍ أَضحى وَأَمسى مُجَوَّعا |
فَاِنهَل مِنهُ بعدَ عَلٍّ وَلَم يَدَع |
لِمُلتَمِسٍ إِلّا وَشيقاً مُذَعذَعا |
فَجاءَ بِرَيّاهُ نَسيمٌ مِنَ الصَبا |
إِلَيها وَرُزءٌ جَرَّ ثَكلاً فَأَوجَعا |
فَأَعجَلَها عَن حَملِها الوَجدُ فَاِرتَمَت |
عَلى دَهسٍ لا تَأتَلي أَن تَشَنَّعا |
مولّهَةً لَم يَترُكِ الوَجدُ عِندَها |
بِواحِدِها إِلّا فُؤاداً مُرَوَّعا |
فَطافَت بِمَلقاهُ وَمَصرَعِ جَنبِهِ |
فَسافَت دَماً مِنهُ وَشِلواً مُقَطَّعا |
لَحارَت وَبارَت وَاِستَطارَت وَرَجَّعَت |
حَنيناً فَأَبكَت كُلَّ مَن كانَ موجَعا |
وَنَدَّت عَلى وَحشِيِّها تَركَبُ الرُبى |
وَتَنفي الحَصا أَخفافُها قَد تَصَدَّعا |
فَلَأياً بِلَأيٍ ما ثَنَوها عَشِيَّةً |
وَشَدّوا بِعَينَيها الحِبالَ لِتَربَعا |
فَقامَت أَخير البَركِ يَدعو حَنينُها |
حَنين المَواليهِ الثَكالى المُرَجَّعا |
وَقُمنَ بِجَنبَيها فَأَسعَدنَ شَجوَها |
كَما أَسعَدَ الحَيُّ المُصابَ المُفَجَّعا |
فَإِن سَجَرَت وَهناً سَجَرنَ لِسَجرِها |
وَإِن سَجعَت وَهناً تَجاوَبنَ سُجَّعا |
فَحَنَّ نِساءُ الحَيِّ مِن بَعدِ هَجعَةٍ |
لِصَوتٍ دَعا أَثكالَهُنَّ فَأَسمَعا |
وَأَقبَلنَ مِن هُنا وَهُنا وَأَسفَرَت |
سَتورُ الدُجى عَن مَأتَمٍ قَد تَجَمَّعا |
فَما شقَّ ضَوءُ الفَجرِ حَتّى تَصَدَّعَت |
جُيوبٌ وَحَتّى فاضَ دَمعٌ فَأَسرَعا |
بِأَوجَعَ مِنّي يا سَعيدُ تَحَرُّقاً |
عَلَيكَ وَلَكِن لَم أَجِد عَنكَ مَدفَعا |
فَلَو أَنَّ شَيئاً في لِقائِكَ مُطمِعٌ |
صَبَرتُ وَلَكِن لا أَرى فيهِ مَطمَعا |
فَأُقسِمُ لا تَنفَكُّ نَفسي شَجِيَّةً |
عَلَيكَ وَوَجهي حائِل اللَونِ أَسفَعا |
وَقَد كُنتُ أَلحي مَن بَكى لِمُصيبَةٍ |
فَها أَنَذا قَد صِرتُ أَبكي وَأجزَعا |
وَقَد قَرَعَتني الحادِثاتُ وَرَيبُها |
بِثَكلِكَ حَتّى لَم أَجِد فِيَّ مَقرَعا |
وَقَد كُنتُ مَغبوطاً وَقَد كُنتُ مُصعباً |
فَأَصبَحتُ مَرحوماً لِفَقدِكَ أَخضَعا |
وَقَد كُنتَ لي أَنفاً حَميماً فَفاتَني |
بِكَ القَدَرُ الجاري فَأَصبَحتُ أَجدَعا |
فَلَو أَنَّ طَوداً مِن تُهامَةَ ضافَهُ |
مِنَ الوَجدِ ما قَد ضافَني لَتَضَعضَعا |
فَيا سَيِّداً قَد كَانَ لِلحَيِّ عصمَةً |
وَيا جَبَلاً قَد كانَ لِلحَيِّ مَفزَعا |
دَرَأتُ بِهِ جَبرَ الرَزايا وَلَم أَجِد |
لَهُ خَلَفاً في الغابِرينِ فَأَقنَعا |
وَأَبيَضُ وَضّاحُ الجَبينِ كَأَنَّهُ |
سَنا قَمَرٍ أَوفى مَعَ العَشرِ أَربَعا |
قَطيعُ لِسانِ الكَلبِ عَن نَبحِ ضَيفِهِ |
مُوَطّأ أَكنافِ الرِواقِ سمَيدَعا |
وَمُجتَنِباً لِلقَولِ في غَيرِ حينِهِ |
حِفاظاً وَقَوّالاً إِذا قالَ مُصعِقا |
يَصونُ بِبَذلِ المالِ نَفساً كَريمَةً |
وَعِرضاً حِمىً مِن كُلِّ سوء مُمَنَّعا |
فَتى الخَيرِ لَم يَهمُم بِغدرٍ وَلَم يُعَب |
بِعجزٍ وَلَم يَمدُد إِلى الذَمِّ أَصبعا |
وَلا كانَ في النادي فَيَهجُرُ قَومَهُ |
بِأَملَأَ مِنهُ في العُيونِ وَأَروَعا |
وَلا غابَ إِلّا نافَسَ القَومَ بَينَهُم |
وَلا آبَ إِلّا كانَ لِلحَيِّ مُقنِعا |
وَما زالَ حَمّالاً لِكُلِّ عَظيمَةٍ |
إِلى أَن قَضى مِن نَحبِهِ مُذ تَرَعرَعا |
فَتىً كانَ لا يَدعو إِلى الشَرِّ نَفسَهُ |
فَإِن جاءَهُ الشَرُّ اِمتَطاهُ فَأَوضَعا |
وَيَركَبُ صَعبَ الأَمرِ حَتّى يَرُدَّهُ |
عَلى عَقِبٍ مِنهُ ذَلولاً مُوَقَّعا |
وَأَمرٍ كَحَدِّ السَيفِ قَد خاضَ غَمرَهُ |
بِهِمّاتِهِ كيما يَضُرَّ وَيَنفَعا |
رَأَتهُ المَنايا خَيرَنا فَاِختَرَمنَهُ |
وَكُنَّ بِتَعجيلِ الأَخاييرِ نُزَّعا |
تَقنّصهُ مِن دونِ بَيضاءَ نَثلَةٍ |
وَعَضبٍ إِذا ما صابَ لِلقَطعِ أَسرَعا |
وَأَجرَد خوّارِ العِنانِ كَأَنَّه |
عُقابٌ هَوَت مِن بَينِ نيقينَ أَتلَعا |
أشقّ طَواهُ الرَكضُ في كُلِّ غارَةٍ |
وَحَطمَ القَنا بِالنَحرِ حَتّى تَجَزَّعا |
وَأَشرَسَ يَستَقري الكماةَ أَجابَهُ |
فَبَوَّأَهُ في مُلتَقى الخَيلِ مَصرَعا |
جَهيضاً يَذُبُّ الطَيرَ عَنهُ بِكَفِّهِ |
فَيُحجمنَ عَنهُ ثُمَّ يَرجِعنَ شُرَّعا |
فَمِن والِغٍ حَصداءَ جِلدَةَ ظَهرِهِ |
وَمِن ناهِشٍ أَدفى الجَناحَينِ أَقرَعا |
كَأَنَّ سَعيدَ الخَيرِ لَم يُهدِ غارَةً |
كَرَحلِ الجَرادِ اِلتَفّ ثُمَّ تَرَفَّعا |
وَلَم يُصبِحِ الخيلَ الحلولَ بِخَيلِهِ |
فَيَترُكَ مِنهُم ساحَةَ الدارِ بِلقَعا |
وَما ذرّ قَرنُ الشَمسِ حَتّى كَأَنَّها |
تُرى بِرِجالِ الحَيِّ خُشباً مُصَرَّعا |
وَإِن شِئتَ أَن تَلقى بِكُلِّ مَجازَةٍ |
لَقيتَ لَهُ حرّىً وَسَخلاً مُوَصَّعا |
وَإِن غَشِيَت حُزناً سَنابِكُ خَيلِهِ |
تَضاءَلَ حَتّى يُصبِح الحُزنُ أَجرَعا |
وَتَبعَثُ يَقظانَ التُرابِ جِيادُهُ |
وَنائِمَهُ حَتّى يَهبَّ فَيَسطَعا |
وَلَم يَسرِ بِالرَكبِ الخِفافِ لُحومُهُم |
عَلى قُلَّصٍ تَثني قَوائِم ضُلَّعا |
فَأظهرَ وَالحربا يَنوفُ بِعودِهِ |
مولٍ فقاهُ الشَمسَ يَخدينَ رُفَّعا |
لَها وَقعَةٌ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ |
وَتَعليمَةٌ تَجني النجاءَ الهَملعا |
وَتستودعُ المعزاءَ عِندَ اِنبَعاثِها |
بَناتُ المَرايا وَالشَريح المُقَطَّعا |
كَأَنَّ عَلى أَكوارِها حينَ تَنفَري |
سَرابيلُهُم عَنهُم أَجادلَ وُقَّعا |
تَرى كُلَّ دَهماء الحَواشي مكورةً |
عَلى كُلِّ وَجهٍ مِنهُم وَأَخدعا |
وَلَم يَهبِ الكومَ المَرايا وَعَبدها |
كَأَنَّ بِها نَخلاً بِنَجرانَ يُنَّقا |
مُضَمَّنَةً أَمثالُها في بُطونِها |
مَكحَّلَةً قُبلَ المَرافِق مُزَّعا |
تَرفُّ بِأَمثالِ المَجادِلِ لَم يَدَع |
رَضيخَ النَوى وَالقضب فيهِنَّ مضبَعا |
تَصَيَّفت اللُجون ثُمَّ تَخَيَّرَت |
لَها مِن شَماريخ الفُلَيجَةِ مَربَعا |
إِذا شَقشَقَت فيها حَسِبت هَديرَها |
هَماهِمَ رَعدٍ آخِرَ اللَيلِ رُجَّعا |
وَلَم يحرمِ البيض اللَواتي كَأَنَّها |
نُجوم الثُرَيّا مَسقَطَ النَسرِ طُلَّعا |
مجَلَّسَةً خَزّاً وَقَزّاً يَطَأنَهُ |
بِأَقدامِها وَالسابِرِيَّ المُضَلَّعا |
تَهزُّ إِذا تَمشي مُتوناً كَأَنَّما |
تَهزَّ بِهِنَّ الريح عيدانَ نيّعا |
كَأنَّ البُرى وَالعاجَ في قَصَباتِها |
تَغمُرنَ ضالاً أَو تعمرنَ خروعا |
تَرى الناسَ أَرسالاً إِلَيهِ كَأَنَّما |
تَضَمَّنَ أَرزاقَ العفاةِ لَهُم مَعا |
فَمِن صادِرٍ قَد آبَ بِالرَيِّ حامِد |
وَمِن وارِدٍ شاحٍ بِفيهِ لِيَكرَعا |
أَفاتَ بِإِبقاءٍ عَلى العِرضِ مالَهُ |
فَأنجَح إِذ أَكدى البَخيل وَأَوضَعا |
وَلا يَستَخِصُّ القَدرَ مِن دونِ جارِهِ |
لِيُشبعَ وَالجيرانُ يُمسونَ جُوَّعا |
جَوادٌ إِذا ما ألصقَ المَحلُ بِالثَرى |
وَضاقَ لِئامُ الناسِ عَنهُ تَوَسَّعا |
كَساهُ الحَياء الجودُ حَتّى لَوَ اِنَّهُ |
يُجَرَّدُ مِن سِربالِهِ ما تَمَنَّعا |
وَيُلقي رِداءَ العصبِ قَبلَ اِبتِذالِهِ |
وَقَبلَ بلاهُ الحَضرَمِيَّ المُرَصَّعا |
إِذا العرقُ المَرشوح بَلَّ رِداءَهُ |
جَرى المِسك مِن أَردانِها فَتَضَوَّعا |
فَيَوماً تَراهُ بِالعَبيرِ مُضَمَّخاً |
وَيَوماً تَراهُ بِالدِماءِ مُلَمَّعا |
وَيَوماً تَراهُ يَسحَبُ الوَشيَ غادِياً |
وَيَوماً تَراهُ في الحَديدِ مُقَنَّعا |
إِذا نالَ مِن أَقصى مَدى المَجدِ غايَةً |
سَما طالِباً مِن تِلكَ أَسنى وَأَرفَعا |
أَجَلَّ عَنِ العورِ الهَواجِرِ سَمعَهُ |
وَوَقَّرَهُ مِن أَن يُقالَ فَيسمَعا |
لَهُ راحَةٌ فيها حباً لِصَديقِهِ |
وَأُخرى سَقَت أَعداءَهُ السُمّ مُنقَعا |
فَما فجعُ الأَقوام مِن رُزء هالِكٍ |
بِأَعظَمَ مِمّا قَد رزِئتُ وَأَفظَعا |
وَمَن طابَ نَفساً مِن أَخٍ لوَداعِهِ |
فَما طِبتُ نَفساً عَن أَخي يَومَ وَدَّعا |
فَواعَجباً لِلأَرضِ كَيفَ تَأَلَّبَت |
عَلَيهِ وَوارَت ذَلِكَ الفَضلَ أَجمَعا |
وَيا بُؤسَ هَذا الدَهر مِن ذي تَلوُّنٍ |
وَذي فَجَعاتٍ ما أَفَظَّ وَأَفظَعا |
هُوَ المُتعِسُ النُعمان قَسراً وَقَبلَهُ |
أَبا كَربٍ وَالأَيهَمَينِ وَتُبَّعا |
وَزيد بنَ كَهلانٍ وَعَمرو بن عامِرٍ |
وَحلوانَ أَردى عُنوَةً وَالهَمَيسَعا |
فَمَن ذا الَّذي أَضحى يُؤمّلُ بَعدَهُم |
فَلاحاً وَقَد كانوا أَعَزَّ وَأَمنَعا |
وَما أَحَدٌ إِلّا لَهُ المَوتُ ناصِبٌ |
بِمَوقِعَةٍ مِنهُ حَبائِل صُرَّعا |
وَكُلُّ اِمرِئٍ مِنها بِمَنزِل قلعَةٍ |
وَإِن وَلَدَ الأَولاد فيها وَجَمَّعا |